كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)



وعندئذ يفعلون بهم الأفاعيل غير مراعين لعهد قائم، ولا متحرجين ولا متذممين من منكر يأتونه معهم.. وهم آمنون!
ثم يبين الله كيف يقابل المؤمنون هذه الحال الواقعة من المشركين: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون}.
{وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون}.. إن المسلمين يواجهون أعداء يتربصون بهم؛ ولا يقعد هؤلاء الأعداء عن الفتك بالمسلمين بلا شفقة ولا رحمة إلا عجزهم عن ذلك. لا يقعدهم عهد معقود، ولا ذمة مرعية، ولا تحرج من مذمة، ولا إبقاء على صلة.. ووراء هذا التقرير تاريخ طويل، يشهد كله بأن هذا هو الخط الأصيل الذي لا ينحرف إلا لطارئ زائل، ثم يعود فيأخذ طريقه المرسوم!
هذا التاريخ الطويل مع الواقع العملي؛ بالإضافة إلى طبيعة المعركة المحتومة بين منهج الله الذي يخرج الناس من العبودية للعباد ويردهم إلى عبادة الله وحده، وبين مناهج الجاهلية التي تعبد الناس للعبيد.. يواجهه المنهج الحركي الإسلامي بتوجيه من الله سبحانه، بهذا الحسم الصريح:
{فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون}. {وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون}.. فإما دخول فيما دخل فيه المسلمون، وتوبة عما مضى من الشرك والاعتداء. وعندئذ يصفح الإسلام والمسلمون عن كل ما لقوا من هؤلاء المشركين المعتدين؛ وتقوم الوشيجة على أساس العقيدة؛ ويصبح المسلمون الجدد إخواناً للمسلمين القدامى؛ ويسقط ذلك الماضي كله بمساءاته من الواقع ومن القلوب!
{ونفصل الآيات لقوم يعلمون}.. فهذه الأحكام إنما يدركها ويدرك حكمتها الذين يعلمون وهم المؤمنون.
وإما نكث لما يبايعون عليهم من الإيمان بعد الدخول فيه، وطعن في دين المسلمين. فهم إذن أئمة في الكفر، لا أيمان لهم ولا عهود. وعندئذ يكون القتال لهم؛ لعلهم حينئذ أن يثوبوا إلى الهدى.. كما سبق أن قلنا: إن قوة المعسكر المسلم وغلبته في الجهاد قد ترد قلوباً كثيرة إلى الصواب؛ وتريهم الحق الغالب فيعرفونه؛ ويعلمون أنه إنما غلب لأنه الحق؛ ولأن وراءه قوة الله؛ وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صادق فيما أبلغهم من أن الله غالب هو ورسله. فيقودهم هذا كله إلى التوبة والهدى. لا كرهاً وقهراً، ولكن اقتناعاً بالقلب بعد رؤية واضحة للحق الغالب. كما وقع وكما يقع في كثير من الأحايين.
وبعد.. فما المدى الذي تعمل فيه هذه النصوص؟ ما المدى التاريخي والبيئي؟ أهي خاصة بأهل الجزيرة العربية في ذلك الزمان المحدد؟ أم إن لها أبعاداً أخرى في الزمان والمكان؟
إن هذه النصوص كانت تواجه الواقع في الجزيرة العربية بين المعسكر الإسلامي ومعسكرات المشركين.
وما من شك أن الأحكام الواردة بها مقصود بها هذا الواقع. وأن المشركين المعنيين فيها هم مشركو الجزيرة.. هذا حق في ذاته.. ولكن ترى هذا هو المدى النهائي لهذه النصوص؟
إن علينا أن نتتبع موقف المشركين- على مدى التاريخ- من المؤمنين. ليتكشف لنا المدى الحقيقي لهذه النصوص القرآنية؛ ولنرى الموقف بكامله على مدار التاريخ.
فأما في الجزيرة العربية فلعل ذلك معلوم من أحداث السيرة المشهورة. ولعل في هذا الجزء من الظلال وحده ما يكفي لتصوير مواقف المشركين من هذا الدين وأهله منذ الأيام الأولى للدعوة في مكة حتى هذه الفترة التي تواجهها نصوص هذه السورة.
وحقيقة إن المعركة الطويلة الأمد لم تكن بين الإسلام والشرك بقدر ما كانت بين الإسلام وأهل الكتاب من اليهود والنصارى. ولكن هذا لا ينفي أن موقف المشركين من المسلمين كان دائماً هو الذي تصوره آيات هذا المقطع من السورة: {كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إِلاًّ ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعملون لا يرقبون في مؤمن إِلاًّ ولا ذمة وأولئك هم المعتدون}.
لقد كان هذا هو الموقف الدائم للمشركين وأهل الكتاب من المسلمين. فأما أهل الكتاب فندع الحديث عنهم إلى موعده في المقطع الثاني من السورة؛ وأما المشركون فقد كان هذا دأبهم من المسلمين على مدار التاريخ.
وإذا نحن اعتبرنا أن الإسلام لم يبدأ برسالة محمد صلى الله عليه وسلم إنما ختم بهذه الرسالة. وأن موقف المشركين من كل رسول ومن كل رسالة من قبل إنما يمثل موقف الشرك من دين الله على الإطلاق؛ فإن أبعاد المعركة تترامى؛ ويتجلى الموقف على حقيقته؛ كما تصوره تلك النصوص القرآنية الخالدة، على مدار التاريخ البشري كله بلا استثناء!
ماذا صنع المشركون مع نوح، وهود، وصالح، وإبراهيم، وشعيب، وموسى، وعيسى، عليهم صلوات الله وسلامه والمؤمنين بهم في زمانهم؟ ثم ماذا صنع المشركون مع محمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به كذلك؟.. إنهم لم يرقبوا فيهم إِلاًّ ولا ذمة متى ظهروا عليهم وتمكنوا منهم.. وماذا صنع المشركون بالمسلمين أيام الغزو الثاني للشرك على أيدي التتار؟ ثم ما يصنع المشركون والملحدون اليوم بعد أربعة عشر قرناً بالمسلمين في كل مكان؟.. إنهم لا يرقبون فيهم إِلاًّ ولا ذمة، كما يقرر النص القرآني الصادق الخالد.. عندما ظهر الوثنيون التتار على المسلمين في بغداد وقعت المأساة الدامية التي سجلتها الروايات التاريخية والتي نكتفي فيها بمقتطفات سريعة من تاريخ البداية والنهاية لابن كثير فيما رواه من أحداث عام 656 ه: ومالوا على البلد فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ والكهول والشبان.
ودخل كثير من الناس في الآبار، وأماكن الحشوش، وقنى الوسخ، وكمنوا كذلك أياماً لا يظهرون. وكان الجماعة من الناس يجتمعون إلى الخانات، ويغلقون عليهم الأبواب، فتفتحها التتار. إما بالكسر وإما بالنار، ثم يدخلون عليهم. فيهربون منهم إلى أعالي الأمكنة، فيقتلونهم بالأسطحة، حتى تجري الميازيب من الدماء في الأزقة- فإنا لله وإنا إليه راجعون- كذلك في المساجد والجوامع والربط. ولم ينج منهم أحد سوى أهل الذمة من اليهود والنصارى ومن التجأ إليهم، وإلى دار الوزير ابن العلقمي الرافضي، وطائفة من التجار أخذوا أمانا بذلوا عليه أموالاً جزيلة حتى سلموا وسلمت أموالهم. وعادت بغداد بعد ما كانت آنس المدن كلها كأنها خراب، ليس فيها إلا القليل من الناس، وهم في خوف وجوع وذلة وقلة.. وقد اختلف الناس في كمية من قتل ببغداد من المسلمين في هذه الوقعة. فقيل ثمانمائة ألف. وقيل: ألف ألف. وقيل: بلغت القتلى ألفي ألف نفس- فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم- وكان دخولهم إلى بغداد في أواخر المحرم. وما زال السيف يقتل أهلها أربعين يوماً.. وكان قتل الخليفة المستعصم بالله أمير المؤمنين يوم الأربعاء رابع عشر صفر، وعفى قبره، وكان عمره يومئذ ستاً وأربعين سنة وأربعة أشهر. ومدة خلافته خمس عشرة سنة وثمانية أشهر وأيام. وقتل معه ولده الأكبر أبو العباس أحمد، وله خمس وعشرون سنة. ثم قتل ولده الأوسط أبو الفضل عبد الرحمن وله ثلاث وعشرون سنة، وأسر ولده الأصغر مبارك وأسرت أخواته الثلاث فاطمة وخديجة ومريم..
وقتل أستاذ دار الخلافة الشيخ محيي الدين يوسف ابن الشيخ أبي الفرج ابن الجوزي، وكان عدو الوزير، وقتل أولاده الثلاثة: عبد الله وعبد الرحمن وعبد الكريم، وأكابر الدولة واحداً بعد واحد. منهم الدويدار الصغير مجاهد الدين أيبك، وشهاب الدين سليمان شاه، وجماعة من أمراء السنة وأكابر البلد.. وكان الرجل يستدعى به من دار الخلافة من بني العباس، فيخرج بأولاده ونسائه، فيذهب إلى مقبرة الخلال، تجاه المنظرة، فيذبح كما تذبح الشاة، ويؤسر من يختارون من بناته وجواريه.. وقتل شيخ الشيوخ مؤدب الخليفة صدر الدين علي ابن النيار. وقتل الخطباء والأئمة وحملة القرآن. وتعطلت المساجد والجماعات والجمعات عدة؟ شهور ببغداد.. ولما انقضى الأمر المقدر، وانقضت الأربعون يوماً، بقيت بغداد خاوية على عروشها، ليس بها أحد إلا الشاذ من الناس، والقتلى في الطرقات كأنها التلول، وقد سقط عليهم المطر، فتغيرت صورهم، وأنتنت من جيفهم البلد، وتغير الهواء، فحصل بسببه الوباء الشديد حتى تعدى وسرى في الهواء إلى بلاد الشام، فمات خلق كثير من تغير الجو وفساد الريح، فاجتمع على الناس الغلاء والوباء والفناء والطعن والطاعون، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ولما نودي ببغداد بالأمان، خرج من تحت الأرض من كان بالمطامير والقنى والمقابر كأنهم الموتى إذا نبشوا من قبورهم؛ وقد أنكر بعضهم بعضاً، فلا يعرف الوالد ولده، ولا الأخ أخاه، وأخذهم الوباء الشديد. فتفانوا وتلاحقوا بمن سبقهم من القتلى.. الخ الخ.
هذه صورة من الواقع التاريخي، حينما ظهر المشركون على المسلمين فلم يرقبوا فيهم إِلاًّ ولا ذمة. فهل كانت صورة تاريخية من الماضي البعيد الموغل في الظلمات، اختص بها التتار في ذلك الزمان؟
كلا! إن الواقع التاريخي الحديث لا تختلف صوره عن هذه الصورة!.. إن ما وقع من الوثنيين الهنود عند انفصال باكستان لا يقل شناعة ولا بشاعة عما وقع من التتار في ذلك الزمان البعيد.. إن ثمانية ملايين من المهاجرين المسلمين من الهند- ممن أفزعتهم الهجمات البربرية المتوحشة على المسلمين الباقين في الهند فآثروا الهجرة على البقاء- قد وصل منهم إلى أطراف باكستان ثلاثة ملايين فقط! أما الملايين الخمسة الباقية فقد قضوا بالطريق.. طلعت عليهم العصابات الهندية الوثنية المنظمة المعروفة للدولة الهندية جيداً والتي يهيمن عليها ناس من الكبار في الحكومة الهندية، فذبحتهم كالخراف على طول الطريق، وتركت جثثهم نهباً للطير والوحش، بعد التمثيل بها ببشاعة منكرة، لا تقل- إن لم تزد- على ما صنعه التتار بالمسلمين من أهل بغداد!.. أما المأساة البشعة المروعة المنظمة فكانت في ركاب القطار الذي نقل الموظفين المسلمين في أنحاء الهند إلى باكستان، حيث تم الاتفاق على هجرة من يريد الهجرة من الموظفين المسلمين في دوائر الهند إلى باكستان واجتمع في هذا القطار خمسون ألف موظف.. ودخل القطار بالخمسين ألف موظف في نفق بين الحدود الهندية الباكستانية يسمى (ممر خيبر).. وخرج من الناحية الأخرى وليس به إلا أشلاء ممزقة متناثرة في القطار!.. لقد أوقفت العصابات الهندية الوثنية المدربة الموجهة، القطار في النفق. ولم تسمح له بالمضي في طريقه إلا بعد أن تحول الخمسون ألف موظف إلى أشلاء ودماء!.. وصدق قول الله سبحانه: {كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إِلاًّ ولا ذمة} وما تزال هذه المذابح تتكرر في صور شتى.
ثم ماذا فعل خلفاء التتار في الصين الشيوعية وروسيا الشيوعية بالمسلمين هناك.. لقد أبادوا من المسلمين في خلال ربع قرن ستة وعشرين مليوناً.. بمعدل مليون في السنة.. وما تزال عمليات الإبادة ماضية في الطريق.. ذلك غير وسائل التعذيب الجهنمية التي تقشعر لهولها الأبدان. وفي هذا العام وقع في القطاع الصيني من التركستان المسلمة ما يغطي على بشاعات التتار.. لقد جيء بأحد الزعماء المسلمين، فحفرت له حفرة في الطريق العام.
وكلف المسلمون تحت وطأة التعذيب والإرهاب، أن يأتوا بفضلاتهم الآدمية (التي تتسلمها الدولة من الأهالي جميعاً لتستخدمها في السماد مقابل ما تصرفه لهم من الطعام!!!) فيلقوها على الزعيم المسلم في حفرته.. وظلت العملية ثلاثة أيام والرجل يختنق في الحفرة على هذا النحو حتى مات!
كذلك فعلت يوغسلافيا الشيوعية بالمسلمين فيها. حتى أبادت منهم مليوناً منذ الفترة التي صارت فيها شيوعية بعد الحرب العالمية الثانية إلى اليوم. وما تزال عمليات الإبادة والتعذيب الوحشي- التي من أمثلتها البشعة إلقاء المسلمين رجالاً ونساء في مفارم اللحوم التي تصنع لحوم (البولوبيف) ليخرجوا من الناحية الأخرى عجينة من اللحم والعظام والدماء- ماضية إلى الآن!!!
وما يجري في يوغسلافيا يجري في جميع الدول الشيوعية والوثنية... الآن.. في هذا الزمان.. ويصدق قول الله سبحانه: {كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إِلاًّ ولا ذمة}. {لا يرقبون في مؤمن إِلاًّ ولا ذمة وأولئك هم المعتدون}..
إنها لم تكن حالة طارئة ولا وقتية في الجزيرة العربية. ولم تكن حالة طارئة ولا وقتية في بغداد.. إنها الحالة الدائمة الطبيعية الحتمية؛ حيثما وجد مؤمنون يدينون بالعبودية لله وحده؛ ومشركون أو ملحدون يدينون بالعبودية لغير الله. في كل زمان وفي كل مكان.
ومن ثم فإن تلك النصوص- وإن كانت قد نزلت لمواجهة حالة واقعة في الجزيرة، وعنت بالفعل تقرير أحكام التعامل مع مشركي الجزيرة- إلا أنها أبعد مدى في الزمان والمكان. لأنها تواجه مثل هذه الحالة دائماً في كل زمان وفي كل مكان. والأمر في تنفيذها إنما يتعلق بالمقدرة على التنفيذ في مثل الحالة التي نفذت فيها في الجزيرة العربية، ولا يتعلق بأصل الحكم ولا بأصل الموقف الذي لا يتبدل على الزمان..
{ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدأوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون}..
تجيء هذه الفقرة بعد الفقرة السابقة التي تقرر فيها الاستنكار من ناحية المبدأ لأن يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله؛ والأمر بتخيير المشركين في الجزيرة بين الدخول فيما دخل فيه المسلمون أو قتالهم- إلا من استجار فيجار حتى يسمع كلام الله ثم يبلغ مأمنه خارج دار الإسلام- وبيان علة هذا الاستنكار؛ وهي أنهم لا يرعون إِلاًّ ولا ذمة في مؤمن متى ظهروا على المؤمنين.
تجيء هذه الفقرة لمواجهة ما حاك في نفوس الجماعة المسلمة- بمستوياتها المختلفة التي سبق الحديث عنها- من تردد وتهيب للإقدام على هذه الخطوة الحاسمة! ومن رغبة وتعلل في أن يفيء المشركون الباقون إلى الإسلام دون اللجوء إلى القتال الشامل! ومن خوف على النفوس والمصالح وركون إلى أيسر الوسائل!.
..
والنصوص القرآنية تواجه هذه المشاعر والمخاوف والتعلات باستجاشة قلوب المسلمين بالذكريات والأحداث القريبة والبعيدة. تذكرهم بنقض المشركين لما أبرموه معهم من عقود وما عقدوه معهم من أيمان. وتذكرهم بما همَّ به المشركون من إخراج الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة قبل الهجرة. وتذكرهم بأن المشركين هم الذين بدأوهم بالاعتداء في المدينة.. ثم تثير فيهم الحياء والنخوة أن يكونوا إنما يخشون لقاء المشركين. والله أولى أن يخشوه إن كانوا مؤمنين.. ثم تشجعهم على قتال المشركين لعل الله أن يعذبهم بأيديهم، فيكونوا هم ستاراً لقدرة الله في تعذيب أعدائه وأعدائهم، وخزيانهم وقهرهم. وشفاء صدور المؤمنين الذين أوذوا في الله منهم.. ثم تواجه التعلات التي تحيك في صدور البعض من الأمل في دخول المشركين الباقين في الإسلام دون حرب ولا قتال. تواجه هذه التعلات بأن الرجاء الحقيقي في أن يفيء هؤلاء إلى الإسلام أولى أن يتعلق بانتصار المسلمين، وهزيمة المشركين، فيومئذ قد يفيء بعضهم- ممن يقسم الله له التوبة- إلى الإسلام المنتصر الظاهر الظافر!.. وفي النهاية تلفتهم الآيات إلى أن سنة الله هي ابتلاء الجماعات بمثل هذه التكاليف ليظهر حقيقة ما هم عليه. وأن السنة لا تتبدل ولا تحيد..